الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
كما قال الشاعر:
وقال الزمخشري: التنزل على معنيين: معنى النزول على مهل، ومعنى النزول على الإطلاق.كقوله: لأنه مطاوع نزّل ونزّل يكون بمعنى أنزل وبمعنى التدريج واللائق بهذا الموضع هو النزول على مهل، والمراد أن نزولنا في الأحايين وقتًا غبّ وقت انتهى.وقال ابن عطية: وهذه الواو التي في قوله: {وما نتنزل} هي عاطفة جملة كلام على أخرى واصلة بين القولين، وإن لم يكن معناهما واحدًا.وحكى النقاش عن قوم أن قوله و{ما نتنزل} متصل بقوله: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا زكيًا} وهذا قول ضعيف انتهى.والذي يظهر في مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر قصة زكريا ومريم وذكر إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس ثم ذكر أنهم أنعم تعالى عليهم وقال: {ومن ذرية إبراهيم} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم، وذكر تعالى أنه خلف بعد هؤلاء خلف وهم اليهود والنصارى أصحاب الكتب لأن غيرهم لا يقال فيهم أضاعوا الصلاة إنما يقال ذلك فيمن كانت له شريعة فرض عليهم فيها الصلاة بوحي من الله تعالى، وكان اليهود هم سبب سؤال قريش للنبيّ صلى الله عليه وسلم تلك المسائل الثلاث، وأبطأ الوحي عنه ففرحت بذلك قريش واليهود وكان ذلك من اتباع شهواتهم، هذا وهم عالمون بنبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وما نتنزل} تنبيها على قصة قريش واليهود، وأن أصل تلك القصة إنما حدثت من أولئك الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وختمًا لقصص أولئك المنعم عليهم لمخاطبة أشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم واستعذارًا من جبريل عليه السلام للرسول بأن ذلك الإبطاء لم يكن منه إذ لا يتنزل إلاّ بأمر الله تعالى، ولما كان إبطاء الوحي سببه قصة السؤال وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقرن أن يجيبهم بالمشيئة، وكان السؤال متسببًا عن اتباع اليهود شهواتهم وخفيات خبثهم اكتفى بذكر النتيجة المتأخرة عن ذكر ما آثرته شهواتهم الدنيوية وخبثهم.قال أبو العالية: ما بين الأيدي الدنيا بأسرها إلى النفخة الأولى، وما خلف ذلك الآخرة من وقت البعث، وما بين ذلك ما بين النفختين.قال ابن عطية: وقول أبي العالية إنما يتصور في بني آدم، وهذه المقالة هي للملائكة فتأمله.وقال ابن جريج: ما بين الأيدي هو ما مر من الزمان قبل الإيجاد، وما خلف هو ما بعد موتهم إلى استمرار الآخرة، وما بين ذلك هو مدة الحياة.وفي كتاب التحرير والتحبير {ما بين أيدينا} الآخرة {وما خلفنا} الدنيا رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال ابن جبير وقتادة ومقاتل وسفيان.وقال مجاهد: عكسه.وقال الأخفش: {ما بين أيدينا} قبل أن نخلق {وما خلفنا} بعد الفناء {وما بين ذلك} ما بين الدنيا والآخرة.وقال مجاهد وعكرمة وأبو العالية: ما بين النفختين.وقال الأخفش: حين كوننا.وقال صاحب الغينان: {ما بين أيدينا} نزول الملائكة من السماء، {وما خلفنا} من الأرض {وما بين ذلك} ما بين السماء والأرض.قال ابن القشيري مثل قول ابن جريج، ثم قال: حصر الأزمنة الثلاثة وهي أن كلها لله هو منشئها ومدبر أمرها على ما يشاء من تقديم إنزال وتأخيره انتهى. وفيه بعض تلخيص وتصرف.وقال ابن عطية: إنما القصد الإشعار بملك الله تعالى لملائكته، وأن قليل تصرفهم وكثيره إنما هو بأمره وانتقالهم من مكان إلى مكان إنما هو بحكمته إذ الأمكنة له وهم له، فلو ذهب بالآية إلى أن المراد بما بين الأيدي وما خلف الأمكنة التي فيها تصرفهم والمراد بما بين ذلك هم أنفسهم ومقاماتهم لكان وجهًا كأنه قال: نحن مقيدون بالقدرة لا ننتقل ولا نتنزل إلاّ بأمر ربك انتهى.وما قاله فيه ابن عطية له إلى آخره ذهب إلى نحوه الزمخشري قال له: ما قدامنا وما خلفنا من الجهات والأماكن وما نحن فيها، فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ومكان إلى مكان إلاّ بأمر المليك ومشيئته، والمعنى أنه محيط بكل شيء لا تخفى عليه خافية، فكيف نقدم على فعل نحدثه إلاّ صادرًا عما توجبه حكمته ويأمرنا ويأذن لنا فيه انتهى.وقال البغوي: له علم ما بين أيدينا.وقال أبو مسلم وابن بحر: {وما نتنزل} الآية ليس من كلام الملائكة وإنما هو من كلام أهل الجنة بعضهم لبعض إذا دخلوها وهي متصلة بالآية الأولى إلى قوله: {وما بين ذلك} أي ما ننزل الجنة إلاّ بأمر ربك له {ما بين أيدينا} أي في الجنة مستقبلًا {وما خلفنا} مما كان في الدنيا وما بينهما أي ما بين الوقتين.وحكى الزمخشري هذا القول فقال: وقيل هي حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة أي وما ننزل الجنة إلاّ بإذن من الله علينا بثواب أعمالنا وأمرنا بدخولها وهو المالك لرقاب الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة، اللاطف في أعمال الخير والموفق لها والمجازي عليها.ثم قال تعالى تقريرًا لهم {وما كان ربك نسيًا} لأعمال العاملين غافلًا عما يجب أن يثابوا به، وكيف يجوز النسيان والغفلة على ذي ملكوت السموات والأرض وما بينهما انتهى.وقال القاضي: هذا مخالف للظاهر من وجوه.أحدهما: أن ظاهر التنزيل نزول الملائكة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ولقوله: {بأمر ربك} فظاهر الأمر بحال التكليف أليق.وثانيها: خطاب من جماعة لواحد، وذلك لا يليق بمخاطبة بعضهم لبعض في الجنة.وثالثها: أن ما في مساقه {وما كان ربك نسيًا رب السموات والأرض} لا يليق بحال التكليف ولا يوصف به الرسول انتهى.وقرأ الجمهور: {وما نتنزل} بالنون عنى جبريل نفسه والملائكة.وقرأ الأعرج بالياء على أنه خبر من الله.قيل: والضمير في يتنزل عائد على جبريل عليه السلام.قال ابن عطية: ويردّه له {ما بين أيدينا} لأنه لا يطرد معه وإنما يتجه أن يكون خبرًا عن جبريل أن القرآن لا يتنزل إلا بأمر الله في الأوقات التي يقدرها وكذا قال الزمخشري على الحكاية عن جبريل، والضمير للوحي انتهى.ويحمل ذلك القول على إضمار أي وما يتنزل جبريل إلاّ بأمر ربك قائلًا له {ما بين أيدينا} أي يقول ذلك على سبيل الاستعذار في البطء عنك بأن ربك متصرف فينا ليس لنا أن نتصرف إلاّ بمشيئته، وإخبار أنه تعالى ليس بناسيك وإن تأخر عنك الوحي.وارتفع {رب السموات} على البدل أو على خبر مبتدإٍ محذوف.وقرأ الجمهور: {هل تعلم} بإظهار اللام عند التاء.وقرأ الأخوان وهشام وعليّ بن نصر وهارون كلاهما عن أبي عمرو والحسن والأعمش وعيسى وابن محيصن بالإدغام فيهما.قال أبو عبيدة: هما لغتان وعلى الإدغام أنشدوا بيت مزاحم العقيلي: وعدي فاصطبر باللام على سبيل التضمين أي اثبت بالصبر لعبادته لأن العبادة تورد شدائد، فاثبت لها وأصله التعدية بعلى كقوله تعالى: {واصطبر عليها} والسميّ من توافق في الاسم تقول: هذا سميك أي اسمه مثل اسمك، فالمعنى أنه لم يسم بلفظ الله شيء قط، وكان المشركون يسمون أصنامهم آلهة والعزّى إله وأما لفظ الله فلم يطلقوه على شيء من أصنامهم. وعن ابن عباس: لا يسمى أحد الرحمن غيره.وقيل: يحتمل أن يعود ذلك على قوله: {رب السموات والأرض وما بينهما} أي هل تعلم من يسمى أو يوصف بهذا الوصف، أي ليس أحد من الأمم يسمى شيئًا بهذا الاسم سوى الله.وقال مجاهد وابن جبير وقتادة {سميًا} مثلًا وشبيهًا، وروي ذلك عن ابن عباس أيضًا.قال ابن عطية: وكان السميّ بمعنى المسامي والمضاهي فهو من السمو، وهذا قول حسن ولا يحسن في ذكر يحيى انتهى. يعني لم نجعل له من قبل {سميًا}. وقال غيره: يقال فلان سميّ فلان إذا شاركه في اللفظ، وسمِّيه إذا كان مماثلًا له في صفاته الجميلة ومناقبه.ومنه قول الشاعر: وقال الزجاج: هل تعلم أحدًا يستحق أن يقال له خالق وقادرًا إلاّ هو.وقال الضحاك: ولدًا ردًا على من يقول ولد الله. اهـ.
|